المِسكين حَيدّر

رن الهاتف قبل مغيب الشمس بدقائق فالغيوم محُمَرّة لانعكاس ضوء الشمس عليها  انه وقتٌ تعرج فيه ملائكة الأرض إلى السماء لتنقل لربها ما يجري في الأرض من بلاء وهو اعلم منهم بذلك  ، قطعتُ ضَحكي لكن أصدقائي مازالوا يضحكون قلت لهم يا رفاقي رجاءً أصمتوا  رقمٌ غريب يتصل بي أأجيب أم لا قالوا اجب ولما الخوف!! ، ترددت في الإجابة على الهاتف فقبل أيام1- (هددني احدهم بالقتل  )) من رقمٍ مجهول ، لم اجب على الهاتف
((فانقطع الاتصال )).
ـ قال أبي غيث وهو يبتسم . لما لم تجب  فأنت الذي تردد دوماً وتقول قولَ( رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم)  ” اعلم إن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كَتبهُ  الله عليك ” لما الخوف إذا من ان تجيب على رقم غريب فنحن إخوتك و ونقف بجنبك لطالما وقفت بجانبنا وساعدتنا في كثير من الامور .
ـ فأجبته شكراً يا أخي.  ما أن أكمل أبي غيث كلامهُ رن الهاتف ثانيةً.
ـ فأجبت بنعم. من معي ؟
ـ فإذا بصوت امرأة تقول لي ((احمد ))
ـ أجبت بـ لا  ،
_ قالت من هذا الذي يتحدثُ إلى جانبك ؟ ( يبدوا انها سمعت صوت أصدقائي يتكلمون) .
ـ فأجبتها من تريدين بالضبط يا سيدتي ومن أنت ، بنبرةٍ فيها القليل من الغضب ، فأجابت
_ عذراً …  يبدو انني قد طلبت ُ رقماً خاطئاً ،  فأغلَقَت الهاتف .
لكنني لم أشعر بالارتياح حتى سَرَحتْ وأخذني الخيال إلى مكان سحيق  ….
_ فاضل، فاضل فإذا بـ زميلي  ابي غيث يناديني، نحن ذاهبون إلى اللقاء سنلتقي غداً إنشاء الله.
ـ سارعتُ إلى إغلاق المحل فإنني اعملُ  مصوراً في محلٍ قريب من بناية المحكمة تلك  المهنة التي تعلمتها بفضل احد الاصدقاء وهي التي انقذتني من الاعمال الشاقة التي كنت اعملها من قبل كخباز في احدى المطاعم اوبائع سكائر على الارصفة او بناءاً فكلها كانت اعمال شاقة وبحاجة الى جهد وصبر على العمل لكنني استمتعت بمهنة التصوير لما لها من ميزات تمكنني ان اعبّر عن ذاتي وابرز شخصيتي وان يكون لي اسم في السوق ويرتاد المحل العديد من الاشخاص من مختلف الاحياء في المدينة اذا انني كونت معهم علاقات طيبة مكنتني من ان انطلق في عالم النجومية واعمل اعلامياً بي بداية مشواري  فهذا المحل الذي يقع وسط المدينة القريبة من بناية المحكمة تلك البناية الضخمة ذات السبعة طوابق ففي كل طابق دائرة معينة كدائرة التنفيذ او دائرة التسجيل العقاري او محكمة الاحوال الشخصية المختصة بمعملات الزواج والطلاق وغيرها من الامور التي لابد من مروجي هذه المعاملات ان يرفقوا مع معاملاتهم هذه صوراً  شخصية لهم ولعائلاتهم كي تسير المعاملة بشكلها الصحيح .
قررت في تلك اللحظة أن لا استقل الباص وأنا ذاهب إلى المنزل ، فسأستقل قدماي اللاتي ستوصلانني إلى منزلي ولن اشعر بتعبهما مازلتُ سارح البال ، فسلكتُ طريقاً متعرجاً فيه الكثير من الأزقة ليطول الطريق ، لعلي أتوصل إلى تلك المرأة . من هي ؟ ولماذا اتصلت ؟ أكان بجد رقماً خاطئاً ؟ ولماذا سألتني من يجلس إلى جانبك ؟! من كانت تقصد في كلامها هذا ؟ ففكرت أن أعاود الاتصال بها .
– فاتصلت .
_ مرحباً أجابت بـ أهلا .
_ لقد اتصلتِ بي قبل ساعة وسألتني عن ((احمد )) من كنت تقصدين بالضبط ؟
_ فأجابت بصراحة يا أخي  لقد وصلتني رسالةً قصيرة من رقمك هاتفك  هذا ومكتوبٌ في كلمتان لاغيرهما ((مسكين ياحيدر )) فحيدرٌ هذا هو زوجي افتقده من شهرين فقد خرج ذات نهارٍ من المنزل ذاهباً الى عمله فهو يعملُ معيداً في كلية القانون في المدينة التي نسكن فيها ولم يعد لهذه اللحظة . ولا ادري اهو حيٌ ام مَيتْ .
_ فلم تُسيطر على عبرتها فأجهشت بالبكاء ولم تسكت إلا بعد مرور بضعٌ من الدقائق وقالت والله لئن لم تخبرني بمكان زوجي فسأبلغ الشرطة بأنك تعرف مكانه وهذه رسالتك لي خير دليل على انك تعرف مكانه .
_ يا الهي (( قلت في نَفْسي ما الذي جعلني اتصل بها يا ليتني لم أعاود الاتصال ))  .
_   فأجبتها ماذا تقولين ؟ لا يمكن أن يحدث هذا الشيء ، وأنا أتلعثم في كلامي ولا ادري بماذا اجيب سوى ياسيدتي تأكدي من الرقم فأغلقتُ الهاتف .
فأصبحت اردد في نفسي يا ويلتاه ما هذه الورطة وكيف فكرتُ أن اتصل بها ثانية ياليتني لم افعل  ففي هذه اللحظة نسيت إلى أين انا ذاهب واي طريق اسلك فكل شيء امامي مظلم يبدوا انه موعد
القطع المبرممج للكهرباء في هذه المنطقة التي اتمشى فيها، فنحن في العراق لا نستمتع بنعمة الكهرباء الا لسويعات قليلة في اليوم والليلة . استمريت بالسير شاقاً طريقي من ظلام الى ظلام حتى وصلت الى نهاية الزقاق الذي يؤدي الى شارع رئيسي على جانبيه تنتشر المطاعم والكازينوهات فجلست في احدى هذه الكازينوهات واحتسيت فنجاناًً من القهوة التركية  لعلها تهدئ من روعي بعدها واصلت السير حتى وصلت الى المزرعة القريبة من منزلنا ، فإذا بالهاتف يرن مرة اخرى والرقم نفسه ومن غير تردد أجبت ،
_نعم يا سيدتي
_ أرجوك يا أخي ان كنت تعلم شيئاً عن زوجي فدلني عليه والا سأضطر الى ابلاغ السلطات عنك..
_ ما كان جوابي إلا أن اقسم لها و الله يا سيدتي لا أعلم شيئاً عن زوجك والله يا سيدتي لم أرسل لك رسالة والله يا سيدتي انا رجل بعيد كل البعد عن عمل فيه عنف والله ياسيدتي انا رجل ادعوا الى السلام دوماً ، واستمريت بالقسم لها تلو القسم، ولكنها أبت ان تصدقني ،حتى اضطررت ان اقول لها ياسيدتي انا مستعد ان التقي بك وان نذهب الى اقرب مركز للشرطة لتتأكدي من كلامي هذا وان اساعدك في البحث عن زوجك ،
_  فأجابت إني ذاهبة إلى مقر الصليب الأحمر يوم غد هل ترافقني ؟
_فما كانت إجابتي إلا بنعم وما المانع سأرافقك في الزمان والمكان الذي تحددينه ، قالت سأتصل بك غداً في الصباح الباكر لأحدد لك مكان وزمان لقاءنا فأغلقت الهاتف .
_ وصلتُ إلى البيت فإذا بوالدتي تستقبلني وتقول لي (( الله يساعدك ابني )) .
_ شكرا يا امي العزيزة، ما إن غيرت ثيابي وجلست كالمعتاد انتظر سُفرة الطعام فأنا آخر من يصل المنزل من العائلة فالكل ينتظر عودتي لنتعشى سويا ،
_ فاذا بوالدتي تقول يابني هل اتصلت بخطيبتك فغداً هو يوم الأحد وهو يوم إجراء الفحوصات والتحاليل ففي الأسبوع المقبل ستعقد قرانك فبدون هذه التحاليل  لا يمكن للقاضي أن يعقد لك .
ـ يا ألهي كيف ستمر هذه الليلة إلى أين أتوجه يوم غد إلى خطيبتي التي تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر ام الى تلك المرأة المسكينة التي قد يراودها الشك في حالة عدم ذهابي ، في الحقيقة لم أنم تلك الليلة وما أطولها من ليلة حتى أصبح الصباح وقلت (( أصبحت وأصبح الملك لله الواحد القهار)) هذا ما اردده كل صباح ، انتظرت حتى أصبحت الساعة السابعة والنصف فاتصلت بتلك المرأة  .
-أجابت ، نعم
-صباح الخير سيدتي في أي ساعة سنلتقي وأين؟ لنذهب إلى مقر الصليب الأحمر ،
-أجابت من انت؟
-أنا ذلك الشخص الذي اتصلت به وقلتي بان نذهب إلى  مقر الصليب الأحمر للبحث عن زوجك ،
-آه…..  نعم عزيزي لقد ايقضتني من نوم عميق فلا بد لي ان اصارحك فأني احدى زميلات خطيبتك اردنا ان نصنع فيك مقلباً ونرى ما ستكون ردت فعلك  ،
– ماذا أكانت لعبة ، الله !!!! ما هذا  هكذا كانت اذاً ، .
-فأغلقتُ الهاتف وقررت حينها بأن ابتاع رقم هاتف جديد وان لا أعود الى ذلك الرقم المشئوم المملوء بالمتاعب نهائياً بعد هذه اللحظة  … فلله الحمد قد تخلصت من مشكلة كبيرة ((لا ناقة لي فيها ولا جمل)) سوى سوء حظي الذي جعل تلك المرأة  تتصل بيِْ ، ومقلباً لا يطاق من خطيبتي التي كادت ان تصيبني بجلطة قلبية قبل ان اتزوجها،  ربما هناك  قصصاً مشابهة وحقيقية فما أكثرها من قصص في أيامنا هذه وفي بلادنا هذا من خطف وقتل وتهجير دون أي وجه حق او شريعة يستندون لها ، فمسكين حيدر ربما هو في مأزق وأطفاله وزوجته بانتظاره بفارغ صبر وأنا المسكين أيضا ما بالي بذنب لم اقترفه وان أكون ضحيةً لمن لا يخاف الله . عسى ان يفرج الله كرب  ذلك المسكين حيدر

علي عرفة

2009/12/6