البصرة / اثير العبادي
تشهد أسواق الذهب في البصرة إقبالاً منقطع النظير خصوصاً بعد تحسن الوضع الإقتصادي للعائلة البصرية وزيادة دخل المواطن فالزبائن الذين تشكل النساء الأغلبية من بين المتبضعين لا يفوتون فرصة دخولهم السوق إلا ومروا ولو مرور الكرام بباعة الذهب ليطلعوا على آخر الأسعار وما وصلت إليه الموضات وللذهب مكانة خاصة لدى البصريات تحديداً ففضلاً عن تقديمه لهن كمهور فإن التزين به دليل على الثراء ولا تتوقف أهمية الذهب عند هذا الحد فنظراً لليونته ومقاومته للتآكل في الفم فهو يستخدم في طب الأسنان ومحلول الذهب يسهم في علاج الروماتيزم والتهابات العظام كما يستخدم الذهب المشع في علاج بعض أنواع السرطان و يدخل الذهب كمادة أولية في بعض الصناعات وتكمن أهميته أيضاً في إعتماده كقاعدة نقدية مستخدمة من قبل صندوق النقد الدولي ومعظم الدول الكبرى ..
صدمة
الآنسة هدى (33 سنة) تقول : إن الأرتفاع الحاصل في أسعار الذهب لم يكن تدريجياً وإنما قفز بشكل مفاجئ فبعد أن كان سعر المثقال 150 ألف ديناراً تفاجئنا وإذا به يصل إلى 190 ألفاً قبل أن يصبح سعره 250 ألف ديناراً وأخيراً إستقر على 220 ألفاً للمثقال الواحد ورغم حساب الوزن وأجور الصياغة فإن الصائغ يضيف مبالغ إضافية لكل قطعة من الذهب وحسب هواه طبعاً ، إضافة إلى إحتساب المكونات الجمالية كالكرستال أو الزاركون ضمن الوزن الكلي أما في حال شراء الصائغ للذهب المستعمل فلا يقوم بإحتساب هذه المكونات ضمن الوزن وفي هذه الحالة سيكون الفرق واضحاً بين سعر الشراء والبيع ، وتضيف : عند إقتنائي للذهب لا يهمني المنشئ إن كان عراقياً أو غيره المهم أن يكون ذهباً خالصاً وذا صياغة جيدة ، وعموماً فإن فكرة شراء الحلي الذهبية ممتازة لأنها أفضل من إدخار المال فالمال سرعان ما ينفق ولأسباب قد تكون غير ضرورية . أما الآنسة إيناس (28سنة) فتقول : في وقت قريب كان هناك تناسباً طردياً بين قيمة الدولار وأسعار الذهب سرعان ما إنقلبت المعادلة وأصبح التناسب عكسياً فالهبوط الحاصل في أسواق العملة قابله إرتفاع متزايد في أسعار الحلي الذهبية ، أما عن نوعية الذهب فأنا لا أفضل العراقي منه كونه يحوي على نسبة عالية من النحاس قياسياً بالمكونات الأخرى ويكون ذلك واضحاً بالعين المجردة فبعد مرور الأيام يميل اللون الأصفر البراق إلى الحمرة ، إلا إن الذهب عموماً يبقى (زينة وخزينة) مع الأخذ بنظر الإعتبار أجور الصياغة التي تظيف فرقاً بسيطاً بين سعر البيع والشراء .
عرض وطلب
ويحدثنا الصائغ محمد الموسوي : بعد أن كان الذهب مرتبطاً بأسعار النفط العالمية أصبح اليوم سوقاً مستقلة وإعتمدته معظم الدول كإحتياطي في خزائنها بدلاً من الدولار ، أما غياب الحرفية العراقية فإنها مفقودة في أغلب الصناعات وليس في الذهب وحده والسبب يعود إلى إرتفاع أجور الحرفيين فضلاً عن هجرة البعض منهم ، ويضيف : السوق عرض وطلب فأغلب الزبائن هذه الأيام لا تحبذ شراء الذهب العراقي كون المستورد لا يقل جمالاً في شكله وحرفيته فالأجهزة الحديثة التي دخلت في صياغة الحلي أضفت عليه من الجمالية الشيء الكثير خصوصاً وأن البصريين يتجهون دائماً لشراء الذهب الخليجي بسبب تأثرهم بدول الخليج لقرب البصرة من هذه الدول.
(لازينة ولاخزينة)
الحاجة أم علي (57 سنة) تصر على إن الذهب لا زينة ولا خزينة وتعلل ذلك بقولها : إن الذهب هذه الأيام أغلبه مستورد وحتى المحلي منه فهو خال من اللمسة العراقية التي طالما أعطت الحلي شكلها البهي فالذهب العراقي يمتاز بجمال صياغته ورونقه إضافة إلى متانته التي تكاد لا نجدها في الذهب الخليجي وغيره من المستورد وبهذا فذهب هذه الأيام ليس بزينة ، أما كخزينة فكيف يكون ذلك ونحن نبيع بنصف سعر ما نشتري به ففي العام الماضي وبعد أن عزمت على حج بيت الله الحرام عرضت ما أملكه من مصوغات ذهبية للبيع وعلى نفس الصائغ الذي إشتريتها منه قبل فترة وجيزة ففاجئني بتقييمها بمليون ونصف المليون في الوقت الذي قام ببيعها لي بمليونين وسبعمائة ألف دينار وقدم لي حجج وأعذاراً لم تفلح في إقناعي ، فرفضت الصفقة وإتجهت إلى صائغ آخر وإذا به يقيّم ما عرضت عليه بسعر أقل مما سبقه ولكنهم كما يقولون (الحاجة للمحتاج) فإحتياجي للمال دفعني لأن أبيع ما أملك من ذهب وبسعر بخس .
ويقول أسعد الفهد تاجر ذهب وعضو غرفة تجارة البصرة : الكل يحب الذهب ويرغب بإقتنائه وخصوصاً النساء فبعد تحسن الوضع الإقتصادي وإرتفاع دخل المواطن أصبح الإقبال على شراء الذهب ملفت للنظر ففضلاً عن شرائه لتقديمه كمهور للفتيات هناك زبائن كثر ومن الموظفات خصوصاً يقومن بشراء الذهب بين الحين والآخر كوسيلة للإدخار، ويضيف : إن الذهب العراقي من أرقى أنواع الذهب ومن مميزاته المتعارف عليها الزيادة في الوزن وهذا طبعاً متوارث من الكرم العراقي .
مفارقة
كما وحدثنا محمد شاكر (تاجر ذهب) قائلاً : ثمة مفارقة إصطدمنا بها أثناء تجوالنا في بعض الدول لغرض إستيراد الذهب ففي الإمارات مثلاً يستقطع بما يعادل 10 آلاف دينار عراقي عن كل كيلو غرام واحد يدخل البلد أما في الكويت فلا تستقطع أية مبالغ تذكر ، وفي ماليزيا فيمنح 20$ لكل كيلو غرام يتم تصديره منها و 10 $ ليكلو الذهب المستورد لذات الدولة ، أما في العراق فعند إدخالنا البضاعة عن طريق كردستان يتم إستقطاع مبلغ (12 $) للكيلو غرام الواحد وهذا معقول بعض الشيء لكن في حال إدخالنا الذهب عن طريق مطار بغداد أو البصرة فيتوجب علينا مراجعة جهاز التقييس والسيطرة النوعية كي تفحص البضاعة من ثم تختم ويتم عندها خصم (200) ألف دينار للكيلو غرام الواحد ناهيك عن أجرة النقل وأجور أخرى قد تلحقها في حال تأخرنا لبضعة أيام ننتظر فيها دورنا في الطابور وهذه المبالغ الإضافية تحتم علينا زيادة أسعار الذهب والمتضرر الوحيد هو المستهلك .
لولا حرمته الشرعية على غير النساء حصراً بعد أن أثبت علمياً أن الذهب يؤثر على كريات الدم الحمراء لكان للرجال حضوة في إقتنائه فلهذا المعدن الأصفر البراق سحراً خلاباً يؤثر في نفوس الجميع وهو محبب لدى العوائل العراقية لأنها وكما تسميه (صاحب وقفة) فكان ملاذها الوحيد في الأزمات الإقتصادية خصوصاً أيام الحصار وكان خير منقذ لسد رمق العيش ورغم عدم استقرار أسعاره كونه مرتبط بالسوق العالمية التي هي دائماً في إرتفاع وإنخفاض متباينين إلا أن الذهب يبقى خير سند عند الشدائد .
Filed under: Uncategorized،الاجتماعيات،السياحة | Leave a comment »